قَالَ الشَّافِعِيُّ] رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَلاَ نَذْرَ وَلاَ كَفَّارَةَ، لِأَنَّ النَّذْرَ مَعْنَاهُ مَعْنَى عَلَيَّ أَنْ أَبَرَّ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَعْنَى أَنِّي أَثِمْت وَلاَ حَلَفْت، فَلَمْ أَفْعَلْ وَإِذَا نَوَى بِالنَّذْرِ شَيْئًا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، فَهُوَ مَا نَوَى.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قَالَ: " عَلَيَّ نَذْرٌ، إنْ كَلَّمْت فُلاَنًا، أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أُكَلِّمَ فُلاَنًا، يُرِيدُ هِجْرَتَهُ، أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. وَأَنَّهُ إنْ قَالَ: " عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أَهْجُرَهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ نَذْرَ هِجْرَتِهِ نَفْسِهَا، لاَ يَعْنِي قَوْلَهُ أَنْ أَهْجُرَهُ أَوْ لَمْ أَهْجُرْهُ. فَإِنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلِيُكَلِّمَهُ، لِأَنَّهُ نَذْرٌ فِي مَعْصِيَةٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَ فُلاَنًا أَوْ لاَ يَصِلَ فُلاَنًا، فَهَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْحِنْثُ فِي الْيَمِينِ خَيْرٌ لَك مِنْ الْبِرِّ فَكَفِّرْ وَاحْنَثْ، لِأَنَّك تَعْصِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي هِجْرَتِهِ، وَتَتْرُكُ الْفَضْلَ فِي مَوْضِعِ صِلَتِهِ. وَهَذَا فِي مَعْنَى الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) وَهَكَذَا كُلُّ مَعْصِيَةٍ حَلَفَ عَلَيْهَا أَمَرْنَاهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَعْصِيَةَ وَيَحْنَثَ وَيَأْتِيَ الطَّاعَةَ. وَإِذَا حَلَفَ عَلَى بِرٍّ، أَمَرْنَاهُ أَنْ يَأْتِيَ الْبِرَّ وَلاَ يَحْنَثُ، مِثْلُ قَوْلِهِ " وَاَللَّهِ لأَصُومَن الْيَوْمَ، وَاَللَّهِ لِأُصَلِّيَن كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً نَافِلَةً " فَنَقُولُ لَهُ: بِرَّ يَمِينَك وَأَطِعْ رَبَّك، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، حَنِثَ وَكَفَّرَ. وَأَصْلُ مَا نَذْهَبُ إلَيْهِ، أَنَّ النَّذْرَ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَأَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَطَاعَهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ، وَلَمْ يُكَفِّرْ.
من جعل شيئا من ماله صدقة أو في سبيل الله حذف التشكيل [قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ سِوَى الْعِتْقِ وَالطَّلاَقِ مِنْ قَوْلِهِ: مَالِي هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ دَارِي هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَمْلِكُ صَدَقَةً أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذَا كَانَ عَلَى مَعَانِي الْأَيْمَانِ فَاَلَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ عَطَاءٌ أَنَّهُ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَهُ فِي كُلِّ مَا حَنِثَ فِيهِ سِوَى عِتْقٍ أَوْ طَلاَقٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَالْقِيَاسُ وَمَذْهَبُ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَيَحْبِسُ قَدْرَ مَا يَقُوتُهُ، فَإِذَا أَيْسَرَ تَصَدَّقَ بِاَلَّذِي حَبَسَ. وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِزَكَاةِ مَالِهِ، وَسَوَاءٌ قَالَ صَدَقَةٌ أَوْ قَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذَا كَانَتْ عَلَى مَعَانِي الْأَيْمَانِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَحَنِثَ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ يَمِينًا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ تَبَرُّرًا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ، تَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ. لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيُطِعْهُ).
باب نذر التبرر وليس في التراجم وفيها من نذر أن يمشي إلى بيت الله عز وجل حذف التشكيل [قَالَ الشَّافِعِيُّ]: رحمه الله: وَمَنْ نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا نَذَرَ كَمَا نَذَرَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْهِ دَمٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُطِقْ شَيْئًا سَقَطَ عَنْهُ كَمَا لاَ يُطِيقُ الْقِيَامَ فِي الصَّلاَةِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا وَلاَ يُطِيقُ الْقُعُودَ فَيُصَلِّي مُضْطَجِعًا. وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلاَةِ أَنَّ النَّاسَ أَصْلَحُوا أَمْرَ الْحَجِّ بِالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ وَلَمْ يُصْلِحُوا أَمْرَ الصَّلاَةِ إلَّا بِالصَّلاَةِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلاَ يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا إلَّا بِذِلَّةٍ مِنْهُ [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَحَنِثَ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ تُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ رَجُلاً فَقَالَ: هَذَا قَوْلُك أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ هَذَا قَوْلُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا مَعْقُولُ مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ النُّسُكِ صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا حَنِثَ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ حَجٌّ وَلاَ عُمْرَةٌ وَلاَ صَوْمٌ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ لِلَّهِ لاَ تَكُونُ إلَّا بِفَرْضٍ يُؤَدِّيهِ مِنْ فُرُوضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّرًا يُرِيدُ اللَّهَ بِهِ فَأَمَّا مَا عَلاَ عُلُوَّ الْإِيمَانِ فَلاَ يَكُونُ تَبَرُّرًا وَإِنَّمَا يَعْمَلُ التَّبَرُّرَ لِغَيْرِ الْعُلُوِّ وَقَدْ قَالَ غَيْرُ عَطَاءٍ: عَلَيْهِ الْمَشْيُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ إذَا نَذَرَهُ مُتَبَرِّرًا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ شَفَى اللَّهُ فُلاَنًا أَوْ قَدِمَ فُلاَنٌ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ قَضَى عَنِّي دَيْنًا أَوْ كَانَ كَذَا أَنْ أَحُجَّ لَهُ نَذْرًا فَهُوَ التَّبَرُّرُ. فَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ لَمْ أَقْضِك حَقَّك فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا مِنْ مَعَانِي الْأَيْمَانِ لاَ مَعَانِي النُّذُورِ وَأَصْلُ مَعْقُولِ قَوْلِ عَطَاءٍ فِي مَعَانِي النُّذُورِ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَلاَ كَفَّارَةٌ فَهَذَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ شَفَانِي أَوْ شَفَى فُلاَنًا أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي أَوْ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَمَنْ قَالَ هَذَا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَفِي السَّائِبَةِ، وَإِنَّمَا أَبْطَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّذْرَ فِي الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةً وَكَانَ فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يَفِيَ وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلاَ يَعْصِيهِ) [أَخْبَرَنَا] سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ كَانَتْ بَنُو عَقِيلٍ حُلَفَاءَ لِثَقِيفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا رَجُلاً مِنْ بَنِي عَقِيلٍ وَمَعَهُ نَاقَةٌ لَهُ وَكَانَتْ نَاقَتُهُ قَدْ سَبَقَتْ الْحَاجَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً، وَكَانَتْ النَّاقَةُ إذَا سَبَقَتْ الْحَاجَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ تُمْنَعْ مِنْ كَلاٍَ تَرْتَعُ فِيهِ وَلَمْ تُمْنَعْ مِنْ حَوْضٍ تَشْرَبُ مِنْهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: (فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَ أَخَذْتنِي وَأَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك ثَقِيفٍ).
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: (وَحُبِسَ حَيْثُ يَمُرُّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ إنِّي مُسْلِمٌ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك كُنْت قَدْ أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلاَحِ قَالَ ثُمَّ مَرَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وَظَمْآنُ فَاسْقِنِي فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ حَاجَتُك ثُمَّ إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَدَا لَهُ فَفَادَى بِهِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْ ثَقِيفٌ وَأَمْسَكَ النَّاقَةَ) ثُمَّ إنَّهُ أَغَارَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَدُوٌّ فَأَخَذُوا سَرْحَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدُوا النَّاقَةَ فِيهَا قَالَ وَقَدْ كَانَتْ عِنْدَهُمْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَسَرُوهَا وَكَانُوا يُرِيحُونَ النَّعَمَ عِشَاءً فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى النَّعَمِ فَجَعَلَتْ لاَ تَجِيءُ إلَى بَعِيرٍ إلَّا رَغَا حَتَّى انْتَهَتْ إلَيْهَا فَلَمْ تَرْغُ فَاسْتَوَتْ عَلَيْهَا فَنَجَتْ فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ قَالَ النَّاسُ الْعَضْبَاءُ الْعَضْبَاءُ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: إنِّي نَذَرْت إنْ اللَّهُ أَنْجَانِي عَلَيْهَا أَنْ أَنْحَرَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بِئْسَمَا جَزَيْتهَا لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاقَتَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهَا أَنْ تَنْحَرَ مِثْلَهَا أَوْ تَنْحَرَهَا وَلاَ تُكَفِّرَ.
قال: وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنَّ مَنْ نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَنْحَرَ مَالَ غَيْرِهِ فَهَذَا نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ فَالنَّذْرُ سَاقِطٌ عَنْهُ وَبِذَلِكَ نَقُولُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ نَذَرَ مَا لاَ يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِحَالٍ سَقَطَ النَّذْرُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَهُوَ كَمَا لاَ يَمْلِكُ مِمَّا سِوَاهُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ) وَكَانَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ نَذَرَتْ وَهَرَبَتْ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ لَتَنْحَرَنهَا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الْقَوْلَ وَأَخَذَ نَاقَتَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِأَنْ تَنْحَرَ مِثْلَهَا وَلاَ تُكَفِّرَ فَكَذَلِكَ نَقُولُ إنَّ مَنْ نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَنْحَرَ مَالَ غَيْرِهِ فَهَذَا نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَالنَّذْرُ سَاقِطٌ عَنْهُ وَكَذَلِكَ نَقُولُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ نَذَرَ مَا لاَ يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِحَالٍ سَقَطَ النَّذْرُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَهُوَ كَمَا لاَ يَمْلِكُ مِمَّا سِوَاهُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا مَشَى حَتَّى يَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ ثُمَّ يَرْكَبَ بَعْدُ، وَذَلِكَ كَمَالُ حَجِّ هَذَا، وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا مَشَى حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَذَلِكَ كَمَالُ عُمْرَةِ هَذَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَمَشَى فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيًا حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ مَاشِيًا كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ إذَا فَاتَهُ هَذَا الْحَجُّ أَلاَ تَرَى أَنَّ حُكْمَهُ لَوْ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِالْحَجِّ أَوْ نَاذِرًا لَهُ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلاَمِ وَعُمْرَتُهُ أَلَّا يُجْزِي هَذَا الْحَجُّ مِنْ حَجٍّ وَلاَ عُمْرَةٍ؟ فَإِذَا كَانَ حُكْمُهُ أَنْ يَسْقُطَ وَلاَ يُجْزِي مِنْ حَجٍّ وَلاَ عُمْرَةٍ فَكَيْفَ لاَ يَسْقُطُ الْمَشْيُ الَّذِي إنَّمَا هُوَ هَيْئَةٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؟
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ وَلَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ فَإِنْ كَانَ نَذَرَ ذَلِكَ مَاشِيًا فَلاَ يَمْشِي لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا حَجَّةُ الْإِسْلاَمِ وَعُمْرَتُهُ فَإِنْ مَشَى فَإِنَّمَا مَشَى حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ وَعُمْرَتَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ مَاشِيًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ مِنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ إذَا لَمْ يَعْتَمِرْ وَيَحُجَّ فَإِنَّمَا هُوَ حَجَّةُ الْإِسْلاَمِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ وَنَوَى بِهِ نَذْرًا أَوْ حَجًّا عَنْ غَيْرِهِ أَوْ تَطَوُّعًا فَهُوَ كُلُّهُ حَجَّةُ الْإِسْلاَمِ وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِنَذْرِهِ فَيُوفِيَهُ كَمَا نَذَرَ مَاشِيًا أَوْ غَيْرَ مَاشٍ [قَالَ الرَّبِيعُ]: هَذَا إذَا كَانَ الْمَشْيُ لاَ يَضُرُّ بِمَنْ يَمْشِي فَإِذَا كَانَ مُضِرًّا بِهِ فَيَرْكَبُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى مِثْلِ مَا أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا إسْرَائِيلَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ وَيَتَنَحَّى عَنْ الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ بِاَلَّذِي فِيهِ الْبِرُّ وَلاَ يَضُرُّ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْ تَعْذِيبِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لاَ حَاجَةَ لِلَّهِ فِي تَعْذِيبِهِ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَمْشِي إذَا كَانَ الْمَشْيُ تَعْذِيبًا لَهُ يَضُرُّ بِهِ تَرَكَهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ فُلاَنًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَشْيٌ حَتَّى يَكُونَ نَوَى شَيْئًا يَكُونُ مِثْلُهُ بِرًّا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَشْيِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ الْبِرِّ بِرٌّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَلَوْ نَذَرَ فَقَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى إفْرِيقِيَّةَ أَوْ الْعِرَاقِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْبُلْدَانِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ طَاعَةٌ فِي الْمَشْيِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَشْيُ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُرْتَجَى فِيهَا الْبِرُّ وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَمْشِيَ وَإِلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَمْشِيَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) وَلاَ يُبَيِّنُ لِي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَمَا يُبَيِّنُ لِي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْبِرَّ بِإِتْيَانِ بَيْتِ اللَّهِ فَرْضٌ وَالْبِرُّ بِإِتْيَانِ هَذَيْنِ نَافِلَتَيْنِ وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلاَ نِيَّةَ لَهُ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلاَ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ وَهُوَ إذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ بِرًّا أَمَرْنَاهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ هَذَا كَمَا يُؤْخَذُ لِلْآدَمِيِّينَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ هَذَا عَمَلٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَلْزَمُهُ إلَّا بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِعَيْنِهِ وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ بِمَكَّةَ بِرٌّ. وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِغَيْرِهَا لِيَتَصَدَّقَ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَنْحَرَ إلَّا حَيْثُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ. وَإِنَّمَا أَوْجَبْته وَلَيْسَ فِي النَّحْرِ فِي غَيْرِهَا بِرٌّ لِأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى مَسَاكِينِ بَلَدٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ.
وفي ترجمة الهدي المذكورة في تراجم مختصر الحج المتوسط نصوص تتعلق بالهدي المنذور حذف التشكيل فَمِنْهَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله: الْهَدْيُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَسَوَاءٌ الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، وَمَنْ نَذَرَ هَدْيًا فَسَمَّى شَيْئًا لَزِمَهُ الشَّيْءُ الَّذِي سَمَّى، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَمَنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَزِمَهُ هَدْيٌ لَيْسَ بِجَزَاءٍ مِنْ صَيْدٍ، فَيَكُونُ عَدْلَهُ. فَلاَ يُجْزِيهِ مِنْ الْإِبِلِ وَلاَ الْبَقَرِ وَلاَ الْمَعْزِ، إلَّا ثَنِيٌّ فَصَاعِدًا وَيُجْزِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. وَيُجْزِي مِنْ الضَّأْنِ وَحْدَهُ الْجَذَعُ: وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَرَمُ، لاَ مَحِلَّ لِلْهَدْيِ دُونَهُ، إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الرَّجُلُ مَوْضِعًا مِنْ الْأَرْضِ، فَيَنْحَرَ فِيهِ هَدْيًا، أَوْ يُحْصَرَ رَجُلٌ بِعَدُوٍّ، فَيَنْحَرَ حَيْثُ أُحْصِرَ، وَلاَ هَدْيَ إلَّا فِي الْحَرَمِ لاَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَذُكِرَ هُنَا التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْهَدْيِ آخِرَ الْحَجِّ، وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْذُورِ وَالتَّطَوُّعِ.
قال: وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ. وَإِذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، رَكِبَهُ رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلَ الْمُعْيَا وَالْمُضْطَرَّ عَلَى هَدْيِهِ. وَإِذَا كَانَ الْهَدْيُ أُنْثَى فَنَتَجَتْ، فَإِنْ تَبِعَهَا فَصِيلُهَا سَاقَهُ وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ أَحَدًا. وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ فَصِيلَهَا. وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَأَعْجَفَهَا، غَرِمَ قِيمَةَ مَا نَقَصَهَا. وَكَذَلِكَ إنْ شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا مَا يُنْهِكُ فَصِيلَهَا، غَرِمَ قِيمَةَ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَ. وَإِنْ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَوَجَّهَهَا إلَى الْبَيْتِ، أَوْ وَجَّهَهَا بِكَلاَمٍ فَقِيلَ هَذِهِ هَدْيِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَلاَ يُبَدِّلُهَا بِخَيْرٍ وَلاَ بِشَرٍّ مِنْهَا، كَانَتْ زَاكِيَةً أَوْ غَيْرَ زَاكِيَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرِثُوهَا، وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي الْهَدْيِ إلَى يَوْمِ يُوجِبُ، فَإِنْ كَانَ وَافِيًا، ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَوَرٌ أَوْ عَرَجٌ، أَوْ مَا لاَ يَكُونُ بِهِ وَافِيًا عَلَى الِابْتِدَاءِ، لَمْ يَضُرَّهُ إذَا بَلَغَ الْمَنْسَكَ. وَإِنْ كَانَ يَوْمَ وَجَبَ لَيْسَ بِوَافٍ ثُمَّ صَحَّ حَتَّى يَصِيرَ وَافِيًا قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِإِبْدَالِهِ مَعَ نَحْرِهِ، أَوْ يَكُونَ أَصْلُهُ وَاجِبًا، فَلاَ يُجْزِي عَنْهُ فِيهِ إلَّا وَافٍ.
قال: وَالْهَدْيُ هَدْيَانِ، هَدْيٌ أَصْلُهُ تَطَوُّعٌ، فَذَكَرَ فِي عَطَبِهِ وَإِطْعَامِهِ مَا سَبَقَ فِي بَابِ الْهَدْيِ.
قال: وَهَدْيٌ وَاجِبٌ فَذَلِكَ إذَا عَطِبَ دُونَ الْحَرَمِ صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِمْسَاكٍ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى مَسَاكِينَ، كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا حِينَ عَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ. وَذَكَرَ هُنَا دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْهَدْيِ.
قال: وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِمَا هَدْيَانِ وَاجِبَانِ، فَأَخْطَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَدْيِ صَاحِبِهِ فَذَبَحَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيَ نَفْسِهِ، وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ مَا بَيْنَ الْهَدْيَيْنِ حَيَّيْنِ وَمَنْحُورَيْنِ وَأَجْزَأَ عَنْهُمَا وَتَصَدَّقَا بِكُلِّ مَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكَاهُ حَتَّى فَاتَ بِصَدَقَةٍ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ الْهَدْيِ حَيًّا، وَكَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَدَلُ وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُبَدِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِجَمِيعِ ثَمَنِ هَدْيِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِثَمَنِ هَدْيِهِ هَدْيًا زَادَ حَتَّى يُبَدِّلَهُ هَدْيًا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً نَحَرَ هَدْيًا فَمَنَعَ الْمَسَاكِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَوْ نَحَرَهُ بِنَاحِيَةٍ وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَهُ حَتَّى يُنْتِنَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ. وَالنَّحْرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ " مِنًى " كُلُّهَا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهَا فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ. فَلاَ يَجُوزُ إلَّا أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَاجِبٌ نَحَرَهُ وَأَعْطَاهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ قَضَاءً. وَيَذْبَحُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ ذَبْحَ اللَّيْلِ لِئَلَّا يُخْطِئَ رَجُلٌ فِي الذَّبْحِ أَوْ لاَ يُوجَدُ مَسَاكِينُ حَاضِرُونَ. فَأَمَّا إذَا أَصَابَ الذَّبْحَ فَوَجَدَ مَسَاكِينَ حَاضِرِينَ فَسَوَاءٌ وَفِي أَيِّ الْحَرَمِ ذَبَحَهُ ثُمَّ أَبْلَغَهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ ذَبْحُهُ إيَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ نَاسٍ.
وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ قِيَامًا غَيْرَ مَعْقُولَةٍ وَإِنْ أَحَبَّ عَقْلَ إحْدَى قَوَائِمِهَا. وَإِنْ نَحَرَهَا بَارِكَةً أَوْ مُطْلَقَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ. وَإِنْ نَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ أَوْ ذَبَحَ الْإِبِلَ كَرِهْت لَهُ ذَلِكَ وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ. وَمَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ أَجْزَأَ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ وَهَكَذَا مَنْ حَلَّتْ ذَكَاتُهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ، فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ إعَادَةَ عَلَى صَاحِبِهِ. وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ صَاحِبُهَا أَوْ يَحْضُرَ الذَّبْحَ فَإِنَّهُ يُرْجَى عِنْدَ سُفُوحِ الدَّمِ الْمَغْفِرَةُ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا سَمَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّسِيكَةِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ قَالَ: " اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ عَنِّي أَوْ تَقَبَّلْ عَنْ فُلاَنٍ " الَّذِي أَمَرَهُ بِذَبْحِهِ فَلاَ بَأْسَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَكْلَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْهَدْيِ.
قال: وَالْهَدْيُ هَدْيَانِ وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ. فَكُلُّ مَا كَانَ أَصْلُهُ وَاجِبًا عَلَى الْإِنْسَانِ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ فَلاَ يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ مِثْلُ هَدْيِ الْفَسَادِ وَالطِّيبِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنُّذُورِ وَالْمُتْعَةِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ مَا أَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّطَوُّعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قَالَ] وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ هَدْيَهُ وَلَمْ يُشْعِرْهُ، قَارِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، أَجْزَأَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ هَدْيًا مِنْ " مِنًى " أَوْ مِنْ " مَكَّةَ " ثُمَّ يَذْبَحُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْهَدْيِ عَمَلٌ إنَّمَا الْعَمَلُ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَالنُّسُكُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: غُلاَمِي حُرٌّ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي سَاعَتِي هَذِهِ أَوْ فِي يَوْمِي هَذَا أَوْ شَاءَ أَوْ يَشَاءُ فُلاَنٌ أَنْ لاَ يَكُونَ حُرًّا أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنْ لاَ تَكُونَ طَالِقًا فِي يَوْمِي هَذَا، أَوْ يَشَاءُ فُلاَنٌ فَشَاءَ أَوْ شَاءَ الَّذِي اسْتَثْنَى مَشِيئَتَهُ. لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا وَلاَ الْمَرْأَةُ طَالِقًا.
قال: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا أُهْدِي هَذِهِ الشَّاةَ نَذْرًا أَوْ أَمْشِي نَذْرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: إنِّي سَأُحْدِثُ نَذْرًا أَوْ إنِّي سَأُهْدِيهَا. فَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَهُوَ كَمَا قَالَهُ لِغَيْرِ إيجَابٍ. فَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ مَوْضِعًا مِنْ الْحَرَمِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَرَمَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَةَ أَوْ مَرًّا أَوْ مَوْضِعًا قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ لَيْسَ بِحَرَمٍ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ هَذَا نَذْرٌ فِي غَيْرِ طَاعَةٍ، وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ حَجًّا وَلَمْ يُسَمِّ وَقْتًا فَعَلَيْهِ حَجٌّ، يُحْرِمُ بِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَتَى شَاءَ. وَإِذَا قَالَ: عَلَيَّ نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلاَنٌ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَوْ شَاءَ فُلاَنٌ. إنَّمَا النَّذْرُ مَا أُرِيدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، لَيْسَ عَلَى مَعَانِي الْعُلُوِّ وَلاَ مَشِيئَةِ غَيْرِ النَّاذِرِ. وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يُهْدِيَ شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ، لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ. وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَتَاعًا لَمْ يُجْزِهِ، إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ فِي هَذِهِ أَنْ يَعْقِلَهُ عَلَى الْبَيْتِ أَوْ يَجْعَلَ فِي طِيبٍ لِلْبَيْتِ. جَعَلَهُ حَيْثُ نَوَى، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَا لاَ يُحْمَلُ، مِثْلَ الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ، بَاعَ ذَلِكَ فَأَهْدَى ثَمَنَهُ. وَيَلِي الَّذِي نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ وَتَعْلِيقُهُ عَلَى الْبَيْتِ وَتَطْيِيبُهُ بِهِ، أَوْ يُوَكِّلُ بِهِ ثِقَةً يَلِي ذَلِكَ بِهِ. وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ بَدَنَةً، لَمْ يُجْزِهِ مِنْهَا إلَّا ثَنِيٌّ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ ثَنِيَّةٌ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخَصِيُّ، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا أَحَبُّهَا إلَيَّ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً أَهْدَى بَقَرَةً ثَنِيَّةً فَصَاعِدًا. وَإِذَا لَمْ يَجِدْ بَقَرَةً، أَهْدَى سَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ ثَنِيًّا فَصَاعِدًا، إنْ كُنَّ مِعْزَى، أَوْ جَذَعًا فَصَاعِدًا، إنْ كُنَّ ضَأْنًا. وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى بَدَنَةٍ مِنْ الْإِبِلِ دُونَ الْبَقَرِ، فَلاَ يُجْزِيهِ أَنْ يُهْدِيَ مَكَانَهَا إلَّا بِقِيمَتِهَا. وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ هَدْيًا لَمْ يُسَمِّ الْهَدْيَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً وَمَا أَهْدَى مِنْ مُدِّ حِنْطَةٍ أَوْ مَا قُوتُهُ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّ كُلَّ هَذَا هَدْيٌ، وَلَوْ أَهْدَى إنَّمَا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، لِأَنَّ كُلَّ هَذَا هَدْيٌ. أَلاَ تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} فَقَدْ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَهُوَ صَغِيرٌ أَعْرَجُ وَأَعْمَى، وَإِنَّمَا يُجْزِيهِ بِمِثْلِهِ. أَوَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَقْتُلُ الْجَرَادَةَ وَالْعُصْفُورَ، وَهُمَا مِنْ الصَّيْدِ فَيُجْزِي الْجَرَادَةَ بِتَمْرَةٍ وَالْعُصْفُورَ بِقِيمَتِهِ؟ وَلَعَلَّهُ قَبْضَةٌ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا كُلَّهُ هَدْيًا. وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: شَاتِي هَذِهِ هَدْيٌ إلَى الْحَرَمِ، أَوْ بُقْعَةٌ مِنْ الْحَرَمِ، أَهْدَى. وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ بَدَنَةً لَمْ تُجْزِئْهُ إلَّا بِمَكَّةَ، فَإِنْ سَمَّى مَوْضِعًا مِنْ الْأَرْضِ يَنْحَرُهَا فِيهِ أَجْزَأَتْهُ.
وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ عَدَدَ صَوْمٍ صَامَهُ إنْ شَاءَ مُتَفَرِّقًا، وَإِنْ شَاءَ مُتَتَابِعًا.
قال: وَإِذَا نَذَرَ صِيَامَ أَشْهُرٍ، فَمَا صَامَ مِنْهَا بِالْأَهِلَّةِ صَامَهُ، عَدَدًا مَا بَيْنَ الْهِلاَلَيْنِ، إنْ كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَثَلاَثِينَ. فَإِنْ صَامَهُ بِالْعَدَدِ، صَامَ عَنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثِينَ يَوْمًا. وَإِذَا نَذَرَ صِيَامَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا، صَامَهَا كُلَّهَا إلَّا رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يَصُومُ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ. كَمَا لَوْ قَصَدَ بِنَذْرٍ أَنْ يَصُومَ هَذِهِ الْأَيَّامَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَذْرٌ وَلاَ قَضَاءٌ، فَإِنْ نَذَرَ سَنَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا، قَضَى هَذِهِ الْأَيَّامَ كُلَّهَا حَتَّى يُوفِيَ صَوْمَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَرَضٌ أَوْ خَطَأُ عَدَدٍ أَوْ نِسْيَانٌ أَوْ تَوَانٍ، قَضَاهُ إذَا زَعَمْت أَنَّهُ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيُحْصَرُ بِعَدُوٍّ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، كَانَ مَنْ نَذَرَ حَجًّا بِعَيْنِهِ مِثْلَهُ، وَمَا زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ أَمَرْته أَنْ يَقْضِيَهُ إنْ نَذَرَهُ فَأُحْصِرَ. وَهَكَذَا إنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً بِعَيْنِهَا فَمَرِضَ، قَضَاهَا إلَّا الْأَيَّامَ الَّتِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ تَأْمُرُ الْمُحْصَرَ إذَا أُحْصِرَ بِالْهَدْيِ وَلاَ تَأْمُرُ بِهِ هَذَا؟ قُلْت: آمُرُهُ بِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا لَمْ يُحْرِمْ فَآمُرُهُ بِالْهَدْيِ.
[قَالَ]: وَإِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ أَوْ صَوْمِ كَفَّارَةٍ أَوْ وَاجِبٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ تَطَوُّعٍ نَاسِيًا، فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَإِذَا تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، أَوْ أَفْطَرَ قَبْلَ اللَّيْلِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَلَيْسَ بِصَائِمٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ. فَإِنْ كَانَ صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهُ. وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدُمُ فِيهِ فُلاَنٌ، فَقَدِمَ لَيْلاً فَلَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمٌ صَبِيحَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ قَدِمَ فِي اللَّيْلِ وَلَمْ يَقْدُمْ فِي النَّهَارِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ صَامَهُ. وَلَوْ قَدِمَ الرَّجُلُ نَهَارًا، وَقَدْ أَفْطَرَ الَّذِي نَذَرَ الصَّوْمَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ، وَالنَّذْرُ لاَ يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ صِيَامَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَهَذَا احْتِيَاطٌ وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَائِمًا عَنْ نَذْرِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ أَنَّ جَائِزًا أَنْ يَصُومَ، وَلَيْسَ هُوَ كَيَوْمِ الْفِطْرِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُهُ بَعْدَ مَقْدِمِ فُلاَنٍ فَقُلْنَا: عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ مِنْ الْأَوَّلِ. وَلَوْ أَصْبَحَ فِيهِ صَائِمًا مَنْ نَذْرٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ أَحْبَبْت أَنْ يَعُودَ لِصَوْمِ نَذْرِهِ وَقَضَائِهِ وَيَعُودُ لِصَوْمِهِ لِمَقْدِمِ فُلاَنٍ. وَلَوْ أَنَّ فُلاَنًا قَدِمَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ التَّشْرِيقِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلاَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ طَاعَةٌ فَلاَ يَقْضِي مَا لاَ طَاعَةَ فِيهِ. وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْم الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلاَنٌ أَبَدًا، فَقَدِمَ فُلاَنٌ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ وَصَوْمَ الِاثْنَيْنِ كُلَّمَا اسْتَقْبَلَهُ. فَإِنْ تَرَكَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ قَضَاهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَلاَ يَصُومُ وَلاَ يَقْضِيهِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَقْضِهِ وَصَامَهُ فِي رَمَضَانَ. كَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلاً نَذَرَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ صَامَ رَمَضَانَ بِالْفَرِيضَةِ وَلَمْ يَصُمْهُ بِالنَّذْرِ وَلَمْ يَقْضِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَدِمَ فُلاَنٌ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَهُمَا، وَقَضَى كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا شَهْرَ رَمَضَانَ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَمَا أُوجِبَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ شَيْءٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ لاَ شَيْءَ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَكَانَ النَّاذِرُ امْرَأَةً فَكَالرَّجُلِ وَتَقْضِي كُلَّ مَا مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ حَيْضِهَا. وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كُلَّمَا حِضْت أَوْ أَيَّامَ حَيْضِي، فَلَيْسَ عَلَيْهَا صَوْمٌ وَلاَ قَضَاءٌ، لِأَنَّهَا لاَ تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ حَائِضٌ.
وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ صَلاَةً أَوْ صَوْمًا وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا، فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَتَانِ، وَمِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ لِأَنَّ هَذَا أَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ لاَ الْوِتْرُ [قَالَ الرَّبِيعُ]: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ يُجْزِيهِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ تَنَفَّلَ بِرَكْعَةٍ، (وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ عَشْرِ رَكَعَاتٍ)، وَأَنَّ عُثْمَانَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ. [قَالَ الرَّبِيعُ]: فَلَمَّا كَانَتْ رَكْعَةٌ صَلاَةً وَنَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةً وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَصَلَّى رَكْعَةً، كَانَتْ رَكْعَةٌ صَلاَةً بِمَا ذَكَرْنَا.
[قَالَ الشَّافِعِيُّ]: وَإِذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَيُّ رَقَبَةٍ أَعْتَقَ أَجْزَأَ.