فلما كان في رمضان بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر العير المقبلة من
الشام مع أبي سفيان فيها أموال
قريش فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إليها فخرج مسرعا في ثلاثمائة وبضع عشرة رجلا . ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود . وكان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجلان والثلاثة على بعير . واستخلف على
المدينة عبد الله بن أم مكتوم .
فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة واستعمله على
المدينة .
ولما بلغ رسول الله
خروج قريش : استشار أصحابه . فتكلم
المهاجرون فأحسنوا ثم استشارهم ثانيا . فتكلم
المهاجرون . ثم ثالثا . فعلمت
الأنصار : أن رسول الله إنما يعنيهم فقال
سعد بن معاذ : كأنك تعرض بنا يا رسول الله - وكان إنما يعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من ديارهم - وكأنك تخشى أن تكون
الأنصار ترى عليهم أن لا ينصروك إلا في ديارهم . وإني أقول عن
الأنصار وأجيب عنهم . فامض بنا حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت . وأعطنا منها ما شئت . وما أخذت منها كان أحب إلينا مما تركت . فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ
البرك من
غمدان لنسيرن معك ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر . وخفض أبو سفيان . فلحق بساحل البحر . وكتب إلى
قريش : أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم . فأتاهم
الخبر . فهموا بالرجوع . فقال أبو جهل والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم بها نطعم من حضرنا ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان . وتسمع بنا
العرب . فلا تزال تهابنا أبدا وتخافنا .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل على ماء أدنى مياه بدر . فقال
الحباب بن المنذر : إن رأيت أن نسير إلى قلب - قد عرفناها - كثيرة الماء عذبة فتنزل عليها . ونغور ما سواها من المياه ؟ وأنزل الله تلك الليلة مطرا واجدا صلب الرمل . وثبت الأقدام . وربط على قلوبهم . ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة . وجعل يشير بيده ويقول
هذا مصرع فلان .
وهذا مصرع فلان إن شاء الله
فما تعدى
أحد منهم موضع إشارته صلى الله عليه وسلم . فلما طلع المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اللهم هذه
قريش جاءت بخيلائها وفخرها جاءت تحادك وتكذب رسولك . اللهم فنصرك الذي وعدتني . اللهم أحنهم الغداة
وقام ورفع يديه واستنصر ربه وبالغ في التضرع ورفع يديه حتى سقط رداؤه . وقال
اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك . اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض بعد
.
فلما أصبحوا أقبلت
قريش في كتائبها . وقلل الله المسلمين في أعينهم حتى قال أبو جهل - لما أشار
عتبة بن ربيعة بالرجوع خوفا على
قريش من التفرق والقطيعة إذا قتلوا أقاربهم - إن ذلك ليس به . ولكنه - يعني عتبة - عرف أن محمدا وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه . وقلل الله المشركين أيضا في أعين المسلمين ليقضي الله أمرا كان مفعولا .
وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف . ثم انصرف وغفا غفوة . وأخذ المسلمين النعاس
وأبو بكر الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرسه . وعنده
سعد بن معاذ وجماعة من
الأنصار على باب العريش . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع . ويتلو هذه الآية ( 54 : 45 )
سيهزم الجمع ويولون الدبر ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين . فتناولوهم قتلا وأسرا . فقتلوا سبعين وأسروا سبعين .