قال
عيسى بن طلحة : لما ارتدت
العرب - بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال كسرى : من يكفيني أمر
العرب ؟ فقد مات صاحبهم وهم الآن يختلفون بينهم إلا أن يريد الله بقاء ملكهم فيجتمعون على أفضلهم .
قالوا : ندلك على أكمل الرجال مخارق بن النعمان ليس في الناس مثله . وهو من أهل بيت دانت لهم
العرب ، وهؤلاء جيرانك ،
بكر بن وائل .
فأرسل إليهم . وأخذ منهم ستمائة الأشرف فالأشرف .
وفي لفظ أنه قال ما شهادتكم على موسى ؟ قالوا : نشهد أنه رسول الله . قال فما شهادتكم على عيسى ؟ قالوا : نشهد أنه رسول الله قال وأنا
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . عاش كما عاشوا ، ومات كما ماتوا . وأتحمل شهادة من أبى أن يشهد على ذلك منكم . فلم يرتد من عبد القيس
أحد .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل
أبان بن سعيد على
البحرين . وعزل العلاء ابن الحضرمي . فقال أبلغوني مأمني فأشهد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحيا بحياتهم وأموت بموتهم .
فقالوا : لا تفعل فأنت أعز الناس علينا ، وهذا علينا وعليك فيه مقالة يقال فر من القتال . فأبى . وانطلق في ثلاثمائة رجل يبلغونه
المدينة . فقال له أبو بكر رضي الله عنه ألا ثبت مع قوم لم يبدلوا ولم يرتدوا ؟ .
فقال ما كنت لأعمل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فدعا أبو بكر
العلاء بن الحضرمي . فبعثه إلى
البحرين في ستة عشر راكبا ، وقال امض فإن أمامك عبد القيس فسار . ومر بثمامة بن أثال فأمده برجال من قومه بني سحيم ثم لحق به .
فنزل العلاء بحصن يقال له جواثى ، وكان مخارق قد نزل بمن معه من بكر ابن وائل حصن المشقر - حصن عظيم لعبد القيس - فسار إليهم العلاء فيمن اجتمع إليه . فقاتلهم قتالا شديدا ، حتى كثر القتلى في الفريقين والجارود بن المعلى بالخط يبعث البعوث إلى العلاء .
وبعث مخارق الحطم بن شريح -
أحد بني قيس
بن ثعلبة -
مرزبان الخط يستمده فأمده بالأساورة . فنزل الحطم ردم القداح - وكان حلف أن لا يشرب الخمر حتى يرى هجرا - وأخذ المرزبان الجارود رهينة عنده .
وسار الحطم وأبجر العجلي حتى حصروا العلاء بجواثى . فقال عبد الله بن حذف ، وكان من صالحي المسلمين
ألا أبلغ أبا بكر رسولا | | وسكان المدينة أجمعينا |
فهل لكمو إلى نفر يسير | | قعود في جواثى محصرينا |
كأن دماءهم في كل فج | | شعاع الشمس يغشى الناظرينا |
توكلنا على الرحمن إنا | | وجدنا النصر للمتوكلينا |
فمكثوا على ذلك محصورين .
فسمع العلاء وأصحابه ذات ليلة لغطا في العسكر فقالوا : لو علمنا أمرهم ؟ فقال عبد الله بن حذف : أنا أعلم لكم علمهم فدلوه بحبل . فأقبل حتى يدخل على أبجر العجلي - وأمه منهم - قال ما جاء بك ؟ لا أنعم الله بك عينا .
قال جاء بي الضر والجوع وأردت اللحاق بأهلي ، فزودني . فقال أفعل على أني أظنك والله غير ذلك . بئس ابن الأخت أنت سائر الليلة . فزوده وأعطاه نعلين . وأخرجه من العسكر وخرج حتى برز . فمضى كأنه لا يريد الحصن حتى أبعد . ثم عطف . فأخذ بالحبل فصعد .
فقالوا : ما وراءك ؟ قال تركتهم سكارى ، وقد نزل بهم تجار معهم خمر فاشتروا منهم . فإن كان لكم بهم حاجة فالليلة .
فنزلوا إليهم . فبيتوهم فقتلوهم . فلم يفلت منهم
أحد .
ووثب الحطم فوضع رجله في الركابات وجعل يقول من يحملني ؟ فسمعه عبد الله بن حذف . فأقبل يقول أبا ضبيعة ؟ قال نعم . قال أنا أحملك ، فلما دنا منه قتله . وقطعت رجل أبجر العجلي . فمات منها .
وانهزم فلهم فاعتصموا بمفروق الشيباني .
ثم سار العلاء إلى مدينة دارين فقاتلهم قتالا شديدا ، وضيق عليهم . فلما رأى ذلك مخارق ومن معه قالوا : إن خلوا عنا رجعنا من حيث جئنا .
فشاور العلاء أصحابه فأشاروا بتخليتهم . فخرجوا فلحقوا ببلادهم . وطلب أهل دارين الصلح . فصالحهم العلاء على ثلث ما في أيديهم من أموالهم وما كان خارجا منها فهو له .
لا توعدونا بمفروق وأسرته | | إن يأتنا يلق منا الحطم |
فالنخل ظاهرها خيل . وباطنها | | خيل تكدس بالفرسان في النعم |
وإن ذا الحي من بكر وإن كثروا | | لأمة داخلون النار في أمم |
ثم سار العلاء إلى
الخط ، حتى نزل إلى الساحل فجاءه نصراني ، فقال ما لي إن دللتك على مخاضة تخوض منها الخيل إلى دارين ؟ قال وما تسألني ؟ قال أهل بيت بدارين قال . هم لك . فخاض به . فظفر بهم عنوة وسبى أهلها .
وقيل حبس لهم البحر خاضوه وكانت تجري فيه السفن قبل . ثم جرت بعد . ويروى : أن العلاء وأصحابه جأروا إلى الله وتضرعوا إليه في حبس البحر فأجاب الله دعاءهم . وكان دعاؤهم " يا أرحم الراحمين . يا كريم يا حليم يا
أحد ، يا صمد يا حي ، يا محيي الموتى ، يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا " فأجازوا ذلك
الخليج بإذن الله جميعا يمشون على مثل رملة . فقال
عفيف بن المنذر في ذلك
ولما ظهر العلاء على
أهل الردة والمجوس : بعث رجالا من عبد القيس إلى أبي بكر رضي الله عنه . فنزلوا على طلحة والزبير رضي الله عنهما . وأخبروهما بقيامهم في
أهل الردة . ثم دخلوا على أبي بكر وحضر طلحة والزبير . فقالوا : يا خليفة رسول الله إنا قوم أهل إسلام . وليس شيء أحب إلينا من رضاك ونحن نحب أن تعطينا أرضا من البحر وطواحين . وكلمه في ذلك طلحة والزبير فأجاب .
وقالوا : اكتب لنا كتابا ، فكتب . فانطلقوا بالكتاب إلى
عمر رضي الله عنه . فلما قرأه تفل في الكتاب ومحاه . ودخل طلحة والزبير فقالا : والله ما ندري ، أنت الخليفة أم عمر ؟ . فقال أبو بكر وما ذاك ؟ فأخبروه . فقال أبو بكر لئن كان عمر كره شيئا من ذلك فإني لا أفعله .
فبينما هم على ذلك إذ جاء عمر . فقال له أبو بكر ما كرهت من هذا ؟ قال كرهت أن تعطي الخاصة دون العامة . وأنت تقسم على الناس فتأبى أن تفضل أهل السابقة وتعطي هؤلاء قيمة عشرين ألفا دون الناس . فقال أبو بكر وفقك الله وجزاك خيرا . هذا هو الحق