ثم دخلت سنة ستين فمات فيها
معاوية بن أبي سفيان . وصح أن
أبا هريرة مات قبلها بسنة وأنه كان يقول
اللهم إني أعوذ بك من رأس الستين وإمارة الصبيان
. واستخلف معاوية ابنه يزيد فجرت الفتنة الثانية . ولم تزل الفتنة قائمة سنين حتى اجتمع الناس على
عبد الملك بن مروان .
فأول ما جرى في أيام يزيد مقتل
الحسين بن علي رضي الله عنهما وأهل بيته في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين . ثم بعدها : جرت وقعة
الحرة العظيمة بالمدينة قتلوا أهلها . وأباحوها ثلاثة أيام . ثم بعد ذلك توجهوا إلى
مكة لقتال
عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما . فحاصروها . فلم يزالوا محاصريها حتى بلغهم موت يزيد . فلما مات يزيد افترق الناس افتراقا كثيرا . كما قيل
فمات واستخلف ولده الوليد . فبقي في الخلافة سبع سنين وأشهرا . وفي أيامه مات
أنس بن مالك رضي الله عنه والحجاج بن يوسف . ثم ولي بعده أخوه سليمان بن عبد الملك . فبقي سنتين وأشهرا .
واستخلف
عمر بن عبد العزيز . فبايعه الناس سنة تسع وتسعين في صفر . فسار رحمه الله سيرة الخلفاء الراشدين . وأحيا السنن وأمات البدع . وبقي في الخلافة رشيدا مهديا سنتين وأشهرا ، ومات في رجب سنة إحدى ومائة . ومات في أيامه ابنه عبد الملك . وكان يشبه أباه رحمهما الله .
ثم تولى بعده يزيد بن عبد الملك . فبقي أربع سنين وشهرا واحدا . وتوفي سنة خمس ومائة . ثم تولى بعده أخوه
هشام بن عبد الملك . فبقي تسعة عشر سنة وأشهرا .
وفي خلافته ظهر الجعد بن درهم أول من قال بخلق القرآن . وأظهره في
دمشق . فطلبه
بنو أمية . فهرب منهم إلى
الكوفة . فلما أظهر قوله هناك أخذه
خالد بن عبد الله القسري . قتله يوم عيد الأضحى من سنة أربع وعشرين ومائة . خطب الناس فقال
أيها الناس ضحوا . تقبل الله ضحاياكم . فإني مضح بالجعد بن درهم . إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا . ولم يكلم موسى تكليما . تعالى الله عما قال الجعد علوا كبيرا
ثم نزل فذبحه في أصل المنبر . وتوفي
هشام بن عبد الملك سنة خمس وعشرين ومائة . ثم تولى بعده ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك . فبقي سنة أو أقل أو أكثر . ثم قتل سنة ست وعشرين ومائة . ثم تولى بعده ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك . فبقي خمسة أشهر وتوفي في ذي القعدة - أو في أول ذي الحجة - من سنة ست وعشرين ومائة . وبعده انقضت الخلافة التامة . ولم تجتمع الأمة بعده على إمام واحد إلى اليوم .
وهو آخر الخلفاء الاثني عشر الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
لا يزال أمر هذه الأمة عزيزا ، ينصرون على من ناوأهم إلى اثني عشر خليفة كلهم من
قريش وفي لفظ
لمسلم إن هذا الأمر لا ينقص حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة
وعند
البزار لا يزال أمر أمتي قائما ، حتى يمضي اثنا عشرة خليفة
وفي لفظ
لا يزال الإسلام عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة
وعند
أبي داود قالوا : ثم يكون ماذا ؟ قال ثم يكون الهرج
.
فلما مات يزيد طلب الأمر أخوه إبراهيم . فبايعه أخوه . ولم ينتظم له أمر . فطلب الأمر مروان بن محمد بن مروان - الذي يقال له مروان الحمار - فبايعه بعض الناس في صفر سنة سبع وعشرين ومائة . ولم يزل في حروب وتخبيط إلى آخر سنة اثنتين وثلاثين ومائة - يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة - فقتل في كنيسة أبي صير . وكانت مدة خلافته خمس سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام . وهو آخر من ولي الخلافة من
بني أمية