قال
ابن إسحاق : فلما حضرت الوليد الوفاة دعا بنيه وكانوا ثلاثة هشام بن الوليد
والوليد بن الوليد ،
وخالد بن الوليد ، فقال لهم أي بني أوصيكم بثلاث فلا تضيعوا فيهن دمي في
خزاعة ، فلا تطلنه والله إني لأعلم أنهم منه برآء ولكني أخشى أن تسبوا به بعد اليوم ورباي في
ثقيف ، فلا تدعوه حتى تأخذوه وعقرى عند
أبي أزيهر فلا يفوتنكم به . وكان
أبو أزيهر قد زوجه بنتا ، ثم أمسكها عنه فلم يدخلها عليه حتى مات .
وكانت
الظهران والأراك منازل بني كعب من
خزاعة . فأجابه الجون بن أبي الجون أخو بني كعب بن عمرو الخزاعي ، فقال
والله لا نؤتي الوليد ظلامة | | ولما قروا يوما تزول كواكبه |
ويصرع منكم مسمن بعد مسمن | | وتفتح بعد الموت قسرا مشاربه |
إذا ما أكلتم خبزكم وخزيركم | | فكلكم باكي الوليد ونادبه |
ثم إن الناس ترادوا وعرفوا أنما يخشى القوم السبة فأعطتهم
خزاعة بعض العقل وانصرفوا عن بعض . فلما اصطلح القوم قال الجون بن أبي الجون
وقائلة لما اصطلحنا تعجبا | | لما قد حملنا للوليد وقائل |
ألم تقسموا تؤتوا الوليد ظلامة | | ولما تروا يوما كثير البلابل |
فنحن خلطنا الحرب بالسلم فاستوت | | فأم هواه آمنا كل راحل |
ثم لم ينته الجون بن أبي الجون حتى افتخر بقتل الوليد وذكر أنهم أصابوه وكان ذلك باطلا . فلحق بالوليد وبولده وقومه من ذلك ما حذره .
فقال الجون بن أبي الجون
ألا زعم المغيرة أن كعبا | | بمكة منهم قدر كثير |
فلا تفخر مغيرة أن تراها | | بها يمشي المعلهج والمهير |
بها آباؤنا ، وبها ولدنا | | كما أرسى بمثبته ثبير |
وما قال المغيرة ذلك إلا | | ليعلم شأننا أو يستثير |
فإن دم الوليد يطل إنا | | نطل دماء أنت بها خبير |
كساه الفاتك الميمون سمهما | | زعافا وهو ممتلئ بهير |
فخر ببطن مكة مسلحبا | | كأنه عند وجبته بعير |
سيكفيني مطال أبي هشام | | صغار جعدة الأوبار خور |
قال
ابن هشام : تركنا منها بيتا واحدا أقذع فيه .
ثورة لمقتل أبي أزيهر
قال
ابن إسحاق : ثم عدا هشام بن الوليد على أبي أزيهر وهو بسوق ذي المجاز وكان عند
أبي سفيان بن حرب بنت أزيهر وكان
أبو أزيهر رجلا شريفا في قومه - فقتله
بعقر الوليد الذي كان عنده لوصية أبيه إياه وذلك بعد أن
هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
المدينة ومضى
بدر ، وأصيب به من أصيب من أشراف
قريش من المشركين فخرج يزيد بن أبي سفيان فجمع بني عبد مناف وأبو سفيان بذي المجاز فقال الناس
أخفر أبو سفيان في صهره فهو ثائر به ، فلما سمع أبو سفيان بالذي صنع ابنه يزيد - وكان أبو سفيان رجلا حليما منكرا ، يحب قومه حبا شديدا - انحط سريعا إلى
مكة ، وخشي أن يكون بين
قريش حدث في أبي أزيهر فأتى ابنه وهو في الحديد في قومه من بني عبد مناف والمطيبين فأخذ الرمح من يده ثم ضرب به على رأسه ضربة هده منها ، ثم قال له قبحك الله أتريد أن تضرب قريشا بعضهم ببعض في رجل من
دوس . سنؤتيهم العقل إن قبلوه وأطفأ ذلك الأمر .
فانبعث
حسان بن ثابت يحرض في دم أبي أزيهر ويعير أبا سفيان خفرته ويجبنه فقال
غدا أهل ضوجي ذي المجاز كليهما | | وجار ابن حرب بالمغمس ما يغدو |
ولم يمنع العير الضروط ذماره | | وما منعت مخزاة والدها هند |
كساك هشام بن الوليد ثيابه | | فأبل وأخلف مثلها جددا بعد |
قضى وطرا منه فأصبح ماجدا | | وأصبحت رخوا ما تخب وما تعدو |
فلو أن أشياخا ببدر تشاهدوا | | لبل نعال القوم معتبط ورد |
فلما بلغ أبا سفيان قول حسان قال يريد حسان أن يضرب بعضنا ببعض في رجل من
دوس بئس والله ما ظن
آية الربا من البقرة
الهم بأخذ ثأر أبي أزيهر
ولم يكن في أبي أزيهر ثأر نعلمه حتى حجز الإسلام بين الناس إلا أن
ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري خرج في نفر من
قريش إلى
أرض دوس ، فنزلوا على امرأة يقال لها أم غيلان مولاة لدوس وكانت تمشط النساء وتجهز العرائس فأرادت
دوس قتلهم بأبي أزيهر فقامت دونهم أم غيلان ونسوة معهم حتى منعتهم فقال
ضرار بن الخطاب في ذلك
جزى الله عنا أم غيلان صالحا | | ونسوتها إذ هن شعث عواطل |
فهن دفعن الموت بعد اقترابه | | وقد برزت للثائرين المقاتل |
دعت دعوة دوسا فسالت شعابها | | بعز وأدتها الشراج القوابل |
وعمرا جزاه الله خيرا فما ونى | | وما بردت منه لدي المفاصل |
فجردت سيفي ثم قمت بنصله | | وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل |
عمل أم غيلان
قال
ابن هشام : حدثني أبو عبيدة أن التي قامت دون
ضرار أم جميل ويقال أم غيلان قال ويجوز أن تكون أم غيلان قامت مع أم جميل فيمن قام دونه .
قال الراوي : قال
ابن هشام : وكان
ضرار لحق
عمر بن الخطاب يوم
أحد
، فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول انج يا بن الخطاب لا أقتلك ، فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه
العقر دية الفرج المغصوب وأصله في البكر من أجل التدمية ومنه عقر السرج
الفرس : إذا أدماه وبيضة العقر منه لأنهم كانوا يقيسون البكر بالبيضة ليعرفوا بكورتها ، وقيل عقر بضم العين لأنه بمعنى بضع .
عن مقتل أبي أزيهر وموقف
دوس وذكر قتل هشام بن الوليد لأبي أزيهر وخبر أم غيلان مع
ضرار حين أجارته ومن تمام
الخبر : أن دوسا لما بلغها مقتل أبي أزيهر الدوسي وثبت على رجال من
قريش كانوا عندهم فقتلوا منهم بجير بن العوام أخا الزبير وأرادوا قتل
ضرار بن الخطاب ، فأجارته أم غيلان وابنها عوف قال
ضرار : لقد أدخلتني بين درعها وبدنها ، حتى إني لأجد تسبيد ركبها ، والتسبيد موضع الحلق من الشعر وكان الذي قتل بجيرا صبيح بن سعد أو مليح بن سعد جد أبي هريرة لأمه لأن أمه
أميمة بنت مليح أو صبيح .
والجزعة والجزع بمعنى واحد وهو معظم الوادي ، وقال
ابن الأعرابي : هو ما انثنى منه
وأطرقا اسم علم لموضع سمي بفعل الأمر للاثنين فهو محكي لا يعرب وقيل إن أصل تسميته بذلك أن ثلاثة نفر مروا بها خائفين فسمع أحدهم صوتا ، فقال لصاحبيه
أطرقا ، أي أنصتا ، حتى نرى ما هذا الصوت فسمي المكان بأطرقا ، والله أعلم .
وذكر شعر الجون بن أبي الجون وفيه
أراد أن تؤتوا ، ومعناه أن لا تؤتوا كما جاء في التنزيل
يبين الله لكم أن تضلوا [ النساء : 176 ] في قول طائفة ومعناه عندي : كره لكم أن تضلوا ، وقد قدمنا في الجزء قبل هذا كلاما على أن ومقتضاها وشيئا من أسرارها فيه غنية وإذا كان الكلام محمولا على معناه فالنصب جائز والرفع جائز أيضا ، كما أنشدوا :
بنصب أحضر ورفعه وأنشد
سيبويه :
يريد أن أفعله وإذا رفعت في هذا الموضع لم يذهب الرفع معنى أن فقد حكى
سيبويه : مره يحفرها ، وقدره تقديرين أحدهما : أن يريد الحال أي مره حافرا لها ، والثاني : أن يريد مره أن يحفرها ، وارتفع الفعل لما ذهبت أن من اللفظ وبين
ابن جني الفرق بين التقديرين وقال إذا نويت أن فالفعل مستقبل وإذا لم تنوها فالفعل حاضر وهاهنا مسألة من
العرب ذكرها
الطبري ، قال
العرب تقول لمن توجه في أمر تصنع ماذا وتفعل ماذا ؟ على تقدير تريد أن تصنع ماذا ، فإذا قالوا : تريد ماذا لم يكن إلا رفعا ، لأن المعنى الذي يجلب معنى أن الناصبة ليس في قوله تريد إذ لا يستقيم أن تقول تريد أن تريد ماذا ، يعني : أن الإرادة لا تراد .
شعر الجون
وذكر شعر الجون أيضا ، وفيه
المهير ابن المهورة
الحرة والمعلهج المتردد في الإماء كأنه منحوت من أصلين من العلج لأن الأمة علجة ومن اللهج كأن واطئ الأمة قد لهج بها ، فنحت لفظ المعلهج من هذين اللفظين . وفيه
كذا صحت الرواية في أرسى بالتخفيف وهو زحاف داخل على زحاف لأن تسكين اللام من مفاعلتن في الوافر زحاف ولكنه حسن كثير فلما كثر شبهه هذا الشاعر بمفاعيل لأنه على وزنه ومفاعيلن يحسن حذف الياء منها في الطويل فيصير فعولن مفاعلن فلذلك أدخل هذا الشاعر الزحاف على مفاعلتن لأنه بعد
السكون في وزن مفاعيلن التي تحذف ياؤها حذفا مستحسنا ، فتدبره فإنه مليح في علم العروض
فصل وأنشد لحسان بن ثابت
ضوج الوادي : جانبه [url=http://sirah.al-islam.com/places.asp?p=%d0%e6% %c7%e1%e3%cc%c7%d2]وذو المجاز[/url] : سوق عند عرفة كانت
العرب إذا حجت أقامت بسوق
عكاظ شهر شوال ثم تنتقل إلى سوق
مجنة فتقيم فيه عشرين يوما من ذي القعدة ثم تنتقل إلى سوق ذي المجاز فتقيم فيه إلى أيام الحج وكانوا يتفاخرون في
سوق عكاظ شهر شوال إذا اجتمعوا ، ويقال عكظ الرجل صاحبه إذا فاخره وغلبه بالمفاخرة فسميت
عكاظ لذلك . وذكر
يعني : الدم العبيط .
ما أنزل الله في الربا
فصل وذكر ما أنزل الله في الربا الآيات من سورة البقرة وقد قدمنا في حديث بنيان
الكعبة من قولهم لا تنفقوا فيها ربا ولا مهر بغي وأن في ذلك دليلا على قدم تحريمه عليهم في شرح إبراهيم عليه السلام أو في غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وذلك أنه من أقبح الأعمال لما فيه من هدم جانب المروءة وإيثار الحرص مع بعد الأمل ونسيان بغتة الأجل وترك التوسعة وحسن المعاملة ومن تأمل أبواب الربا لاح له شر التحريم من جهة الجشع المانع من حسن المعاشرة والذريعة إلى ترك القرض وما فيه وفي التوسعة من مكارم الأخلاق ولذلك قال سبحانه
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله [ البقرة 279 ] غضبا منه على أهله ولهذه النكتة قالت
عائشة لأم محبة مولاة زيد بن أرقم
أبلغي زيدا تعني زيد بن أرقم أن قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
حين ذكرت لها عنه مسألة من البيوع تشبه الربا ، فقالت أبطل جهاده ولم تقل صلاته ولا صيامه لأن السيئات لا تحبط الحسنات ولكن خصت الجهاد بالإبطال لأنه حرب لأعداء الله وآكل الربا قد أذن بحرب من الله فهو ضده ولا يجتمع الضدان وهذا معنى ذكره أبو الحسن بن بطال في شرح الجامع وتلك المسألة مذكورة في المدونة لكن إسنادها إلى عائشة ضعيف