ولما بلغ
الأنصار مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من
مكة . كانوا يخرجون كل يوم إلى
الحرة ينتظرونه . فإذا اشتد حر الشمس رجعوا إلى منازلهم . فلما كان يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من نبوته . فخرجوا على عادتهم . فلما حميت الشمس رجعوا ، فصعد رجل من
اليهود على أطم من آطام
المدينة . فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب . فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة هذا صاحبكم قد جاء هذا جدكم الذي تنتظرونه . فثار
الأنصار إلى السلام ليتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وسمعت الوجبة والتكبير في بني عمرو بن عوف . وكبر المسلمون فرحا بقدومه . وخرجوا للقائه فتلقوه وحيوه بتحية النبوة . وأحدقوا به مطيفين حوله .
فلما كان يوم الجمعة ركب . فأدركته الجمعة في
بني سالم بن عوف . فجمع بهم في المسجد الذي في
بطن الوادي . ثم ركب . فأخذوا بخطام راحلته يقولون . هلم إلى القوة والمنعة والسلاح . فيقول
خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة فلم تزل ناقته سائرة لا يمر بدار من
دور الأنصار ، إلا رغبوا إليه في النزول عليهم فيقول
دعوها فإنها مأمورة فسارت حتى وصلت إلى موضع مسجده اليوم فبركت ولم ينزل عنها ، حتى نهضت وسارت قليلا . ثم رجعت وبركت في موضعها الأول . فنزل عنها .
وكان من توفيق الله لها . فإنه أحب أن ينزل على أخواله يكرمهم . فجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم . وبادر أبو أيوب
خالد بن زيد إلى رحله فأدخله بيته . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
المرء مع رحله
وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بخطام ناقته . فكانت عنده . وأصبح كما قال
قيس بن صرمة - وكان
ابن عباس يختلف إليه ليحفظها عنه .
ثوى في قريش بضع عشرة حجة |
| يذكر لو يلقى حبيبا مواتيا |
ويعرض في أهل المواسم نفسه |
| فلم ير من يؤوى ولم ير داعيا |
فلما أتانا واستقر به النوى |
| وأصبح مسرورا بطيبة راضيا |
وأصبح لا يخشى ظلامة ظالم |
| بعيد ولا يخشى من الناس باغيا |
بذلنا له الأموال من جل مالنا |
| وأنفسنا عند الوغى والتآسيا |
نعادي الذي عادى من الناس كلهم |
| جميعا . وإن كان الحبيب المصافيا |
ونعلم أن الله لا رب غيره |
| وأن كتاب الله أصبح هاديا |
قومي الذين هموا آووا نبيهمو |
| وصدقوه وأهل الأرض كفار |
إلا خصائص أقوام همو تبع |
| في الصالحين مع الأنصار أنصار |
مستبشرين بقسم الله . قولهمو |
| لما أتاهم كريم الأصل مختار |
أهلا وسهلا . ففي أمن وفي سعة |
| نعم النبي . ونعم القسم والجار |
فأنزلوه بدار لا يخاف بها |
| من كان جارهمو . دار هي الدار |
وقاسموه بها الأموال إذ قدموا |
| مهاجرين . وقسم الجاحد النار |
وكما قال
قال أنس
شهدته يوم دخل المدينة ، فما رأيت يوما قط كان أحسن ولا أضوأ من اليوم الذي دخل
المدينة علينا . وشهدته يوم مات . فما رأيت يوما قط كان أقبح ولا
أظلم من يوم مات
فأقام في بيت أبي أيوب حتى بنى حجره ومسجده .