فلما وصلوا واعدوه
العقبة ، من أواسط أيام التشريق للبيعة بعد ما انقضى حجهم . فقال له العباس ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك ؟ إني ذو معرفة بأهل
يثرب . فلما كان الليل تسللوا من رحالهم مختفين ومعهم
عبد الله بن عمرو بن حرام - أبو جابر - وهو مشرك وكانوا يكاتمونه الأمر . فلما كانت الليلة التي واعدوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا
أبا جابر ، إنك شريف من أشرافنا . وإنا نرغب بك أن تكون حطبا للنار غدا ، قال وما ذلك ؟ فأخبروه
الخبر . فأسلم وشهد
العقبة وكان نقيبا .
فلما مضى ثلث الليل خرجوا للميعاد حتى اجتمع عنده من رجل ورجلين ومعه عمه العباس - وهو يومئذ على دين قومه - ولكنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له .
فلما نظر العباس في وجوههم قال هؤلاء قوم لا نعرفهم هؤلاء أحداث وكان أول من تكلم . فقال يا معشر
الخزرج - وكانت
العرب تسمي الجميع
الخزرج - إن محمدا منا حيث علمتم وقد منعناه من قومنا وهو في منعة في بلده إلا أنه أبى إلا الانقطاع إليكم واللحوق بكم . فإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم . وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه - بعد خروجه إليكم - فمن الآن فدعوه . فإنه في عز ومنعة .
قالوا : قد سمعنا ما قلت . فتكلم يا رسول الله وخذ لنفسك ولربك ما شئت .
فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
أبايعكم على أن تمنعوني - إذا قدمت عليكم - مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم . ولكم الجنة
فكان أول من بايعه
البراء بن معرور . فقال والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا . فبايعنا يا رسول الله . فنحن أهل الحرب والحلقة ورثناها صاغرا عن كابر . فاعترضه
أبو الهيثم بن التيهان ، وقال إن بيننا وبين الناس حبالا ونحن قاطعوها ، فهل عسيت - إن أظهرك الله - أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال
لا والله بل الدم الدم
والهدم الهدم ، أنتم مني وأنا منكم . أحارب من حاربتم . وأسالم من سالمتم
فلما قدموا يبايعونه أخذ بيده أصغرهم - أسعد بن زرارة - فقال رويدا يا
أهل يثرب ، إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف . فإما أنتم تصبرون على ذلك . فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه . فهو أعذر لكم عند الله . فقالوا : أمط عنا يدك ، فوالله ما نذر هذه البيعة ولا نستقيلها .
فقاموا إليه رجلا رجلا يأخذ منهم ويعطيهم بذلك الجنة ثم كثر اللغط فقال العباس على رسلكم . فإن علينا عيونا .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم ككفالة الحواريين لعيسى ابن
مريم . وأنا كفيل على قومي
"وفي رواية " أن
موسى اتخذ من قومه اثني عشر نقيبا
وكان جميع أهل
العقبة : سبعين رجلا وامرأتين .
فلما بايعوه صرخ الشيطان بأنفذ صوت سمع قط : يا أهل
الأخاشب ، هل لكم في محمد والصبأة معه ؟ قد اجتمعوا على حربكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذا أزب العقبة ، أما والله يا عدو الله لأفرغن لك " تم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ارفضوا إلى رحالكم
فقال
العباس بن عبادة بن نضلة :
والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل
مكة غدا بأسيافنا . فقال " لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم " فرجعوا
فلما أصبحوا غدت عليهم
جلة قريش . فقالوا : إنه بلغنا أنكم جئتم صاحبنا البارحة تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا . وإن الله ما من حي من
العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم . فانبعث رجال - ممن لم يعلم - يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء والذين يشهدون ينظر بعضهم إلى بعض . وجعل
عبد الله بن أبي ابن سلول يقول هذا باطل . ما كان هذا . وما كان قومي ليفتاتوا علي بمثل هذا . لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا . حتى يؤامروني .
فقام القوم - وفيهم
الحارث بن هشام - وعليه نعلان جديدان . فقال
كعب بن مالك : كلمة - كأنه يريد أن يشرك القوم فيما قالوا - فقال يا آبا جابر ما تستطيع أن تتخذ - وأنت سيد من سادتنا - مثل نعلي هذا الفتى ؟ فسمعها الحارث . فجعلها من رجليه . ثم رمى بهما إليه . وقال والله لتنتعلنهما . فقال أبو جابر مه ؟ أحفظت الفتى . فاردد إليه نعليه ؟ فقال لا أردهما إليه والله فأل صالح . لئن صدق الفأل لأسلبنه .
وتشاورت
الأنصار أن يكروا إليه . فإذا هو قد طلع عليهم . فرحلوا إلى
المدينة .
فخرت بسعد الخير حين أسرته | | وقلت : شفائي لو تداركت منذرا |
وإن امرأ يهدي القصائد نحونا | | كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا |
فلا تك كالشاة التي كان حتفها | | بحفر ذراعيها . فلم ترض محفرا |
ولا تك كالوسنان يحلم أنه | | بقرية كسرى ، أو بقرية قيصرا |
ولا تك كالثكلى ، وكانت بمعزل | | عن الثكل . لو أن الفؤاد تفكرا |
ولا تك كالعاوي ، وأقبل نحره | | ولم يخشه سهم من النبل مضمرا |
أتفخر بالكتان لما لبسته | | وقد يلبس الأنباط ريطا مقصرا |
فلولا أبو وهب لمرت قصائد | | على شرف البيداء يهوين حسرا |
وسمعت
قريش قائلا يقول بالليل على أبى قبيس
قالوا : من هما ؟ قال أبه سفيان أسعد بن بكر أم سعد بن هزيم ؟ فلما كانت الليلة القابلة سمعوه يقول
فيا سعد - سعد الأوس - كن أنت ناصرا | | ويا سعد - سعد الخزرجين - الغطارف |
أجيبا إلى داعي الهدى . وتمنيا | | على الله في الفردوس منة عارف |
فإن ثواب الله للطالب الهدى | | جنان من الفردوس ذات رفارف |