فتذاكروا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار كل منهم برأي والشيخ يرده ولا يرضاه إلى أن قال أبو جهل قد فرق لي فيه برأي ما أراكم وقعتم عليه قالوا : ما هو ؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة من
قريش غلاما جلدا . ثم نعطيه سيفا صارما ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل . فلا تدري
بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع ولا يمكنها معاداة القبائل كلها ، ونسوق ديته .
فقال الشيخ لله در هذا الفتى . هذا والله الرأي . فتفرقوا على ذلك .
فجاء جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة .
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر نصف النهار - في ساعة لم يكن يأتيه فيها - متقنعا ، فقال "
أخرج من عندك " فقال إنما هم أهلك يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أذن لي في الخروج " فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله . قال " نعم " فقال أبو بكر فخذ - بأبي أنت وأمي - إحدى راحلتي هاتين فقال " بالثمن
وأمر عليا أن يبيت تلك الليلة على فراشه .
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر . فخرجا من خوخة في بيت أبي بكر ليلا . فجاء رجل فرأى القوم ببابه فقال ما تنتظرون ؟ قالوا : محمدا . قال خبتم وخسرتم قد والله مر بكم وذر على رءوسكم التراب . قالوا : والله ما أبصرناه وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم .
فلما أصبحوا : قام علي رضي الله عنه عن الفراش فسألوه عن محمد ؟ فقال لا علم لي به . ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى
غار ثور ، فنسجت العنكبوت على بابه .
وجدت
قريش في طلبهما ، وأخذوا معهم القافة حتى انتهوا إلى باب الغار . فوقفوا عليه . فقال أبو بكر
يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا . فقال " ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ لا تحزن إن الله معنا
وكانا يسمعان كلامهم إلا أن الله عمى عليهم أمرهما .
وعامر بن فهيرة يرعى غنما لأبي بكر ويتسمع ما يقال عنهما بمكة . ثم يأتيهما بالخبر ليلا . فإذا كان السحر سرح مع الناس .
قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز . وصنعنا لهما سفرة في جراب . فقطعت
أسماء بنت أبي بكر . قطعة من نطاقها ، فأوكت به فم الجراب وقطعت الأخرى عصاما للقربة . فبذلك لقبت " ذات النطاقين " .
ومكثا في الغار ثلاثا . حتى خمدت نار الطلب . فجاءهما ابن أريقط بالراحلتين فارتحلا ، . وأردف أبو بكر
عامر بن فهيرة .