فلما فرغ
خالد من بزاخة وبني عامر أظهر أن
أبا بكر عهد إليه أن يسير إلى أرض
بني تميم ، وإلى
اليمامة . فقال ثابت بن
قيس - وهو على
الأنصار ،
وخالد على جماعة المسلمين - ما عهد إلينا ذلك وليس بنا قوة . وقد كل المسلمون وعجف كراعهم . فقال
خالد : لا أستكره أحدا ، وسار بمن تبعه .
وأقامت
الأنصار يوما أو يومين ثم تلاومت فيما بينها . وقالت والله ما صنعنا شيئا . والله لئن أصيب القوم ليقولن خذلتموهم وإنها لمسبة عارها باق إلى آخر الدهر ولئن أصابوا فتحا ، إنه لخير منعتموه . فابعثوا إلى خالد يقيم حتى تلحقوه . فبعثوا إليه فأقام حتى لحقوه . فاستقبلهم في كثرة من المسلمين حتى نزلوا .
وساروا جميعا حتى انتهوا إلى
البطاح ، من أرض
بني تميم فلم يجدوا بها جمعا . ففرق خالد السرايا في نواحيها . فأتت سرية منهم
بنو حنظلة - وسيدهم
مالك بن نويرة - وكان قد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا على قومه . فجمع صدقاتهم . فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جفل إبل الصدقة - أي ردها إلى أهلها فلذلك سمي الجفول -
وجمع قومه فقال إن هذا الرجل قد هلك فإن قام قائم بعده رضي منكم أن تدخلوا في أمره ولم يطلب ما مضى ، ولم تكونوا أعطيتم الناس أموالكم . فتسارع إليه جمهورهم .
فقام فيهم قعنب - سيد بني يربوع - فقال يا
بني تميم ، لا ترجعوا في صدقاتكم فيرجع الله في نعمه عليكم ولا تتجردوا للبلاء وقد ألبسكم الله العافية ولا تستشعروا خوف الكفر وأنتم في أمن الإسلام . إنكم أعطيتم قليلا من كثير . والله مذهب الكثير بالقليل . ومسلط على أموالكم غدا من يأخذها على غير الرضا ، وإن منعتموها قتلتم . فأطيعوا الله واعصوا مالكا .
فقام مالك فقال يا
بني تميم ، إنما رددت عليكم أموالكم إكراما لكم . وإنه لا يزال يقوم منكم قائم يخطئني . والله ما أنا بأحرصكم على المال ولا بأجزعكم من الموت ولا بأخفاكم شخصا إن أقمت ، ولا بأخفاكم رحلة إن هربت . فترضوه عند ذلك وأسندوا أمرهم إليه وأبى الله أن يتم أمره فيهم . وقال مالك في ذلك
وقال رجال سدد اليوم مالك |
| وقال رجال مالك لم يسدد |
فقلت : دعوني لا أبا لأبيكمو |
| فلم أخط رأيا في المعاد ولا البد |
فدونكموها . إنها صدقاتكم |
| مصررة أخلافها لم تجرد |
سأجعل نفسي دون ما تحذرونه |
| فأرهنكم يوما بما قلت يدي |
فإن قام بالأمر المجرد قائم |
| أطعنا ، وقلنا : الدين دين محمد |
ولما بلغ ذلك أبا بكر والمسلمين حنقوا عليه . وعاهد الله خالد لئن أخذه ليجعلن هامته أثفية للقدر .
فلما وصلتهم السرية - مع طلوع الشمس - فزعوا إلى السلاح . وقالوا : من أنتم ؟ قالوا : نحن عباد الله المسلمون قالوا : ونحن عباد الله المسلمون . قالوا : فضعوا السلاح . ففعلوا . فأخذوهم . وجاءوا بهم إلى خالد .
فقال له
أبو قتادة : - وهو مع السرية - أقاتل أنت هؤلاء ؟ قال نعم . قال إنهم اتقونا بالإسلام أذنا فأذنوا ، وصلينا فصلوا . وكان من عهد
أبي بكر أيما دار غشيتموها ، فسمعتم الأذان فيها بالصلاة فأمسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ماذا نقموا ؟ وماذا يبغون ؟ وإن لم تسمعوا الأذان فشنوا عليها الغارة فاقتلوا وحرقوا
فأمر بهم خالد فقتلوا ، وأمر برأس مالك فجعل أثفية للقدر ورثاه أخوه متمم بقصائد كثيرة .
وروي أن عمر قال له
لوددت أن رثيت أخي زيدا بمثل ما رثيت به أخاك مالكا " فقال متمم لو علمت أن أخي صار حيث صار أخوك ما رثيته . فقال عمر " ما عزاني
أحد عن أخي بمثل تعزيته